الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
لايخفى على الجميع أن تأريخ الشعوب العراقية واسع الأطراف ، طويل الذيل ، والعراق في الحقيقة يستمد ُ نفوسه من ناحيتين مهمتين أحداهما العرب ، والأخرى الكرد ، فمنهما يستقى غالب نفوسه ، وتأريخ الكرد ، وعشائرهم في العراق قديم كقدم العرب فيه ، فهما صنوان متكاتفان ، الواحد متمم للآخر ، أو عونه ومدار عزه ونصرته .
والعشائر الكردية موضوع بحثنا لها مزايا وأوصاف جليلة ، تستحق كل إطراء ، ولاتخلوا أمة من معايب ، في نظر غيرها وهذه لاتكون مدار الاقتداء ، ولا وسيلة المتابعة ، وإنما يجب أن نحرص على المزايا الفاضلة عند الكل ، وإقتباس ما يصلح ، وما يليق أن يكون قدوة ... والعرب والأقوام الآخرون بحثوا في سجايا الأقوام ، ودونوا عنها ، ولم يتركوا حتى الحيوان للانتفاع بخصاله وما الأمثال المضروبة والحكايات المنقولة إلا تدابير للاستقاء من معينها وجعلها واسطة للانتباه .
وهذه الامة مجاورة للعرب ومساكنة للعراق وهي من أعظم الشعوب العراقية فالإنصاف يدعونا أن لانهمل أمرها ، ولا نتركها ظهريا ً بلا علم ولا كتاب مبين ، فنقف على حياتها ومعيشتها في رحلة الشتاء والصيف ، فتكون المعرفة بها متكاملة ، وقيد قيل قديما ً (( العلم كله في العالم كله )) .
الأسرة :
هذه أصل القبيلة أو القرية أو المدينة ، وتفترق هذه عما عند العرب من وجوه عديدة ، فيصح أن يُقال أنها كانت ولاتزال سائرة على خلاف ما عند العرب ، فلا يحتفظ بها لأكثر من تكون البيت ، ومن ثم تزول كل علاقة ، وتنقطع كل صلة نوعا ً .
فالرجل مرتبط بزوجه ، وولده حتى يكبر ويتزوج ، ومن ثم تضعف صلته ويقل إتصاله ، ومعنى هذا ليس المقصود منه الانقطاع التام من كل وجه ، وإنما يتعين في هذا تكاتف القبيلة أوالقرية فيكون من أفرادها ، فيراعى مقرراتها بصورة عامة ، كأنه عاش في أسرته مدة ليكون ابن القرية او القبيلة .
القبيلة أو العشيرة
من أغرب ما نرى في الكرد أنهم ليس لهم قبيلة أو عشيرة بالوجه المعروف عند العرب ، الا أن نريد بها ( المجتمع الصغير ) ، فيصلح أن يُقال هنا عن العشيرة أنها المجتمع الصغير، والمحلوظ أنها من جملة أسر متماثلة ، ويصح أن يُقال أنها من أصل واحد أو من أسرة واحدة .
وتشير التحقيقات التأريخية إلى ان القبيلة لاتنتسب إلى جد واحد ، بل في الغالب إلى محل أو قرية وكأن هذه القرية هي جد وأصل . مما يدل على الارتباط المكين بين الكرد ومواطنهم . ولامجال لقبول أنها من جد واحد . بل كل من يساكنها يعد نفسه منها ، وينسى أصل ما درج منه الا ان تكون مجموعة عرفت قبل ان تتمكن وذلك عن طريق الهجرة ، أو النزوح أو ألغوائل .
والامثله على ذلك ( بلباس ) ، و ( دزيى) ، و ( طالباني ) فهذه منسوبة الى مواطن فسميت باسمائهم .
إذن تتألف القبيلة من اسر مجموعة في موطن ، ولايشترط أن تمت كلها إلى جد واحد ، وقد تتصل بحيث تعد كلها متصلة بجد ، ولكن هذا لم نتحققه في عشيرة بكل فروعها ... ولعل معنى العشيرة في العربية يصدق على هذه ، فالالفة هو واسطة الاجتماع ، والتكاتف للاسر أكبر دليل على إنها قبيلة لاغير ...
أصل الكرد :
للتعرف على عشائر الكرد لابد من معرفة أصل الكرد أولا ً ، لقد جرت تحقيقات عديدة في أصلهم قديما ً وحديثا ً .
والعرب لم يدعوا ناحية تتعلق بهؤلاء القوم الذين عاشوا معهم ، أو جاوروهم إلا طرقوها ، وتكلموا عن قبائلها وأصولها فكانت مباحثم جليلة على ان الكرد كانوا معروفين قبل الإسلام بعصور لايُعرف أولها ، والمدونات عنهم وافية وصحيحة ، أما القومية الكردية فلاشك أنها موجودة وأيدها العرب في تواريخهم .
والكرد من العناصر الفعالة في العراق ايام العهد الإسلامي ، ولهم الأثر الجميل في كافة أنحاء المعرفة والإدارة والعمل للحضارة . ، وهم قوم قائم بحياله ولم يكن من بادية إيران كما توهم البعض بل يصح أن تكون إيران قد تولدت منه . ، وكانت ثقافتها على أساس البداوة الكردية ، واستقت نفوسها من الكرد أو من بعض أقسامه القريبة منها ، والأدلة كثيرة على قدم هؤلاء ، ورسوخهم في الحضارة ، فقد نزحوا ألى المدن ، وسكنوها ومالوا إليها بإلفة وقبول تأمين ، فلم يستنكروا ذلك ، كما انهم مالوا خطوة أثر خطوة حتى وصلوا الزرع ، ثم إلى الغرس وتعهد المغروسات ثم تأسيس القرية وهكذا تدرجوا حتى فقهوا الحياة المدنية ، ولكنهم لايزالون حتى في أرقى المدن محافظين على بعض العوائد ، والتقاليد القومية الموروثة .
والتأريخ في مجراه ، وفي حوادثه العديدة ، برهن على ان هذا العنصر منذ ُ ان دخل الإسلام صار من اهم أركانه ، واخلص لعقيدته ، وتأثر بمبدئه السامي ، ومن ثم نال نصيبا ً وافرا ً من الحضارة ومكانة مقبولة ، مرضية . الامر الذي دعا أن يكون من أهم أركان نهضته.. وعلماؤه ، وادباؤه ، ومؤرخوه ..
تحياتي للجميع